ادعمنا

أسرى الحرب - Prisoners of war (POW)

 

تعتبر قضية أسرى الحرب من أكثر القضايا إثارةً للجدل على مستوى العالم، إذ تشكل تحديا كبيراً على صعيد الإنسانية والأخلاق، بسبب ما يتعرض له الأسرى من معاملات قاسية وغير إنسانية في العديد من الحروب منذ القدم، حيث كانت العادة السائدة في العصور القديمة تقتضي أن يقتل جميع الأسرى من الأعداء في مساحات العمليات العسكرية للانتقام منهم و التخلص من الأعباء المترتبة على أسرهم، فكان الأسير يشكل جزءًا من الغنيمة الحربية ولم يكن هناك ما يمنع من قتله أو استرقاقه أو تشغيله إجباريا أو بيعه، أو حتى التنازل عنه لسيد آخر، إلى أن سعى العديد من الفلاسفة وفقهاء القانون خاصة بعد ما خلفته الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى المناداة بالسلام والإنسانية ومحاولة تقنين أساليب القتال وتنظيم الحروب وجعلها إنسانية ما أمكن ذلك. وهذا ما نتج عنه ما يعرف اليوم بالقانون الدولي الإنساني، الذي قد أصدر العديد من القواعد والأحكام والاتفاقيات التي كان من أهمها اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين الملحقين بها لعام 1977م، إذ كرست هاته الاتفاقيات والقواعد مختلف أوجه الحماية لمختلف الفئات المحددة في نصوصها قصد حماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة، حيث كان من بين أهم هاته الفئات فئة أسرى الحرب، غير أنه رغم تطور وضع الأسير طيلة القرون الوسطى، وبروز العديد من الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تحمي حقوق الأسرى في الحروب، إلا أن العديد من الأطراف المتحاربة تتجاهل هذه القوانين وترتكب جرائم حرب بحق الأسرى، مما يجعل هذه القضية تتطلب المزيد من الاهتمام والتركيز عليها.

تعريف أسرى الحرب 

لغة: الأُسارى: بضم الهمزة على وزن فُعال، مثل: سُكارى، جمع أسير، ويجمع أيضًـا عـلـى أُســراء و أَسْرى، قال ابن فارس: « الهمزة والسين والراء أصل واحد، وقياس مطرد، وهو الحبس، وهو الإمساك. ويقال للأسير الأخيذ والمقيد والمسجون، ويطلق على الذكر والأنثى، يقال: رجل أسير و امرأة أسيرة.

فالأسير لغة: « مَأْخُوذٌ مِنَ الإِسارِ. وَهُوَ الْقَيْدُ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْدُّونَهُ بِالْقَيْدِ. فَسُمِّيَ كُل أَخِيذٍ أسِيرًا وَإِنْ لَمْ يُشَدَّ بِهِ، وَكُل مَحْبُوسٍ فِي قَيْدٍ أَوْ سِجْنٍ أسيرٌ، والجمع: أَسْرَى وَأُسَارَى بِالضَّمِّ مثل سَكْرَى وَسُكَارَى، ويجمع أيضا على أسْرَى وأُسَرَاءْ ».

هذا مجمل ما ورد في معاجم وقواميس اللغة في مادة: " أ. س. ر"، فهي تدور حول مـعـاني الحبس والـقـيـد والـسـجـن.

أما اصطلاحا: فقد عرف ‏"‏الماوردي‏"‏ الأسرى بقوله: « هُم الْمُقَاتِلُونَ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا ظَفَرَ الْمُسْلِمُونَ بِأَسْرِهِمْ أَحْيَاءَ».

وعرف ‏"‏ابن جماعة‏"‏ الأسراء‏ بقوله: « الرجال الأحرار العقلاء المقاتلون إذا أخذهم المسلمون قهرا بالغلبة ».

وتخصيص المقاتلين بالأسر كما جاء في التعريفين السابقين، جاء على سبيل التغليب وليس قيداً. فقد عَدَّ ‏"‏ابن تيمية‏"‏ غير المقاتلين أسرى وذكر أمثلة لذلك فقال: « أن تلقيه السفينة إلينا، أو يضل الطريق، أو يؤخذ بحيلة‏ »‏.

ولذلك كان الأقرب إلى التعريف الجامع أن يقال: الأسرى هم المقاتلون الأعداء ومن في حكمهم ممن وقعوا في أيدي المسلمين أحياء، وتجري عليهم أحكام خاصة.

وبالعودة إلى الاتفاقيات الدولية التي تنظم موضوع أسرى الحرب، نلاحظ أنها لم تحدد بدقة تعريفًا مضبوط لأسير الحرب، حيث اقتصرت فقط على تحديد فئات أسرى الحرب وذلك من خلال المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة 1949م.

حيث يمكن إيراد تعريف لأسير الحرب وفق القانون الدولي كالآتي: ‏"‏الأسرى هم الذين يقبض عليهم من قبل العدو في حالة الحرب، و يكونوا عادة من أفراد القوات المسلحة الذين يرسلون في مهمات معينة، كملاحي الطائرات والبواخر، والمراسلين الحربيين، وأفراد الميلشيات وأفراد الوحدات المتطوعة أو سكان الأراضي الغير محتلة، والذين يحملون السلاح بشكل علني، دون أن يحترموا قوانين الحرب و تقاليدها‏"‏، كما جاء تعريف آخر: "الأسرى هم أفراد القوات المتحاربة، يقفون في أيادي الأعداء أو يستسلمون إليهم، فيتم اعتقالهم وتجريدهم من السلاح ويصبحون غير قادرين على القتال‏"‏.

ولكي نكون أمام شخص يحمل صفة أسير حرب، لا بد أن تكون هناك حرب، وأن يكون الأسير من الجنود أو من يدور في فلكهم، وقد تعرضت اتفاقية جنيف لسنة 1929م، للتعريف بمن يعتبرون أسرى حرب وكذلك اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، التي حددت طوائف الأفراد الذين ينطبق عليهم وصف أسير حرب حتى لو لم يكونوا من العسكريين المحاربين، وكقاعدة عامة فإن أسير الحرب هو المقاتل في النزاع المسلح الدولي، والذي يقع في قبضة العدو، ويكون مستحقا للوضع المقرر له، حسب القانون الدولي وبالتالي خاضعا للقوانين والأنظمة والأوامر المعمول بها في القوات النظامية المسلحة التابعة للدولة التي يكون محتجزا بها.

ويمكن صياغة تعريف شامل لأسرى الحرب حسب ما تضمنه مختلف الاتفاقيات الدولية، "الأسرى هم الأفراد الذين يتم القبض عليهم من طرف العدو شرط أن يكونوا من أفراد القوات النظامية المحاربة، أو من هو في حكمهم من المنظمات المسلحة أو التابعة للقوات النظامية من المدنيين أو المسلحين المدافعين عن البلاد، وفقا لقواعد القانون الدولي حتى يستفيدوا من الضمانات المقررة لحماية الأسرى‎"‎.

 

تمييز أسرى الحرب عن المفاهيم المشابهة لها

كثيرا ما يتداخل مصطلح أسرى الحرب مع مفاهيم أخرى مشابهة له، كالمعتقل والسجين والرهين، لذا وجب رفع هذا التداخل والتشابه من خلال التطرق لأبرز المفاهيم المتداخلة.

أ- تمييز أسرى الحرب عن المعتقل

- إن الأسير هو الجندي أو المقاتل الذي يقع في قبضة العدو، أما المعتقل فهو ليس بجندي نظامي.

- كما أن الأسير ينقل من ساحة المعركة إلى أراضي الدولة الآسرة، في حين أن المعتقل يحظر نقله خارج الدولة.

- الأسير لا يخضع للتحقيق و لا للمحاكمة، أما المعتقل فيخضع للتحقيق والمحاكمة.

- يعود الأسير إلى بلاده بعد انتهاء حالة النزاع عن طريق الإفراج أو التبادل، بينما يعود المعتقل لأهله بعد قضاء محكوميته.

- كما يحق للأسير التواصل مع أهله عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالاتصال الهاتفي أو الرسائل أو الصور، في حين يتواصل المعتقل مع أهله مباشرة عن طريق الزيارات لمكان الاعتقال.

ب- تمييز أسرى الحرب عن السجين

- السجن هو مؤسسة معدة لاحتجاز الأشخاص المحرومين من حريتهم بفعل قرار صادر عن العدالة، أو هو ذلك المكان الذي تنفذ فيه العقوبة أو الاعتقال المؤقت ‏(‏سجن ) كما تنفذ فيه أيضا عقوبات سالبة للحرية مع تدابير الحبس الاحتياطي.

إذا كان الأسير مصطلح يطلق بمناسبة أسباب عسكرية تتعلق أساسا بقيام أعمال عدائية بين أطراف دولية، فإن السجين هو ذلك الشخص الذي ارتكب جرمًا أخلاقيًا أو مخالفة اقتصادية أو قـتل نفس وحكمت عليه المحكمة بما يتناسب والمخالفة التي يرتكبها، ويكون ذلك بناء على مواد في القانون وتطبق عليه في السجن. وحتى نفرق بين الأسير والسجين نحاول ذكر النقاط التالية:

- يتمتع الأسير بحقوق حددتها المواثيق الدولية، أما السجين فهو معاقب عن الأفعال التي يرتكبها حسب قانون كل بلد.

- يجب إبلاغ السجين عن أسباب سجنه، أي التهمة الموجهة له، أما الأسير فلا يقتضي ذلك.

- ينتهي الأسر حسب اتفاقية جنيف الثالثة بإحدى الأسباب التالية: إما بالإفراج عن الأسير تحت شرط، أو بالإفراج عنه لاعتبارات صحية أو نتيجة انتهاء الأعمال العدائية، أو عن طريق تبادل الأسرى بين طرفي النزاع، أما السجين فتنتهي فترة سجنه بانتهاء الفترة القانونية المقررة له أو نتيجة عفو أو وفاة.

ج- تمييز أسرى الحرب عن الرهينة

- الرهينة هي ذلك الشخص الذي يتعرض للاحتجاز سواء في وقت السلم أو وقت الحرب، ومن أي طرف كان، دولة أو شخص أو منظمة، أما الأسير فيكون كل شخص قبض عليه وقت الحرب، و لا يمارس الأسر إلا من قبل دولة طرف في النزاع المقام.

- الشخص الأسير يخضع إلى سلطة الدولة التي وقع في قبضتها، بينما تخضع الرهينة إلى سلطة من وقع في قبضتها سواء كانوا أشخاص أو منظمات أو دول.

- يُحتجز الرهينة بمقابل مادي أو سياسي أو أي شيء آخر يطلبه الشخص المحتجِز للرهينة من أجل إطلاق سراحه، أما الأسير فإنه يُحتجز دون مقابل، أي للضرورة الحربية.

 

فئات أسرى الحرب

فئات أسرى الحرب، هم الأشخاص الذين يحملون صفة أسير ويمتازون بالحماية القانونية، وفق ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية، كما أن هناك من الأشخاص من يشاركون في النزاعات المسلحة، غير أنه عند وقوعهم في قبضة العدو، لا يحملون صفة أسرى حرب، وبالتالي لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها الأسير.

أ- الأشخاص الذين يعتبرون أسرى الحرب: 

ويقصد بهم المقاتلون النظاميون ومن في حكمهم، فقد جاء في اتفاقية جنيف لعام 1929م لأسرى الحرب، أنه يعتبر أسير حرب كل شخص يقع بيد العدو بسبب عسكري لا بسبب جريمة ارتكبها، ويدخل ضمن هذا المفهوم:

- القوات النظامية للدولة، البرية أو البحرية أو الجوية .

- أفراد المليشيات المتطوعين، متى توافرت فيهم شروط المحاربين، بحيث يكون لهم رئيس عسكري مسؤول عنهم، ولهم شارة خاصة بهم، وأن يحملوا السلاح علنًا.

- أفراد الشعب، إن حملوا السلاح لمقاومة الجيوش التي تهاجم إقليمهم غير المحتل.

- القوات المسلحة للدولة، حتى ولو لم يكونوا من المقاتلين.

- الفارون من الجيش، يعاملون معاملة أسرى حرب.

- رئيس الدولة العدو أو وزرائها، وإن عثر عليهم في ميدان القتال. وقد أضفت اتفاقية جنيف الثالثة لعام

1949م وصف أسرى الحرب على:

- أفراد حركات المقاومة النظامية الذين يعملون داخل أو خارج أراضيهم، حتى لو كانت هذه الأراضي محتلة.

- سكان الأراضي التي لم يقع احتلالها بعد، الذين يهبون لمقاومة القوات الغازية، بشرط حملهم السلاح بشكل ظاهر ومراعاة قوانين الحرب وأعرافها.

وهناك مجموعات أخرى ينطبق عليها وصف أسرى الحرب، وهم فئات أخرى من الأشخاص ممن لا يعتبرون من المقاتلين ومن بينهم:

- الأشخاص المدنيون الذين يرافقون القوات المسلحة: ويشمل هؤلاء متعهدي التموين، والعمال المدنيين والفرق الفنية التي تقوم بالترفيه عن القوات المسلحة، والمدنيين المرافقين لملاحي الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، بشرط أن يكون لديهم تصريحا من القوات المسلحة التي يرافقونها، والتي تزودهم لهذا الغرض ببطاقات شخصية وفقا للنموذج الملحق باتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949م.

- أفراد أطقم البواخر بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في البحرية التجارية ، والملاحون في الطائرات المدنية التابعون لأحد أطراف النزاع المسلح والذين لا يتمتعون بمعاملة أفضل وفقا لأحكام القانون الدولي الأخرى.

كما يعامل الأشخاص الآتي ذكرهم، كأسرى حرب بمقتضى اتفاقية معاملة أسرى الحرب:

- الأشخاص الذين يتبعون، أو كانوا تابعين للقوات المسلحة للبلد المحتل، إذا أرادت دولة الاحتلال ضرورة اعتقالهم بسبب هذا الإنتماء، حتى ولو كانت قد تركتهم أحرار في بادئ الأمر أثناء سير الأعمال الحربية خارج الأراضي التي تحتلها، وعلى وجه الخصوص إذا ما قام هؤلاء الأشخاص، بمحاولة فاشلة للإنضمام إلى القوات المسلحة التي يتبعونها والمشاركة في القتال، أو في حالة عدم امتثالهم لإنذار يوجه إليهم بقصد الاعتقال.

- الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات المبينة في هده الاتفاقية و الذين يصلون إلى أراضي دولة محايدة، أو غير محاربة في إقليمها، والذين يُطلب إلى هذه الدولة اعتقالهم ومنحهم صفة أسير حرب، وفقًا للقانون الدولي.

- لا تؤثر هذه المادة بأي حال من الأحوال على وضع أفراد الخدمات الطبية والدينية كما هو محدد في المادة (33)، والتي تنص على الآتي: " أفراد الخدمات الطبية والدينية الذين تستبقيهم الدولة الآسرة لمساعدة أسرى الحرب لا يعتبرون أسرى حرب. ولهم مع ذلك أن ينتفعوا كحد أدنى بالفوائد والحماية التي تقضي بها هذه الاتفاقية‏"‏.

ب- الأشخاص الذين لا يعتبرون أسرى الحرب:‏

هنالك فئات رغم مشاركتها الفعلية في القتال إلا أنها لا تحظى بوصف أسير حرب حسب المواثيق والاتفاقيات الدولية، فلا يندرجون ضمن الفئات المحددة في اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م، والبروتوكول الإضافي الملحق بها، وبالتالي تتم معاقبتهم وفق القوانين الداخلية للدول. وهذه الفئات تتمثل في كل من المرتزقة و الجواسيس والخونة " الوطنيون الملتحقون بقوات العدو ".

- المرتزقة: الوضع الطبيعي أن مواطني الدولة، هم الذين يُكوِنون جيشها، وهم الذين يدافعون عن بلادهم وأرضهم، لأن الدفاع عن الوطن هو دفاع عن أمنه و أمانه ومصالحه العليا، مما يقتضي أن يكون المدافِع عنه ممن يدين بالولاء له، ولا يتحقق ذلك إلا بالنسبة لمواطنيه، إلا أنه قد يحدث أن يشارك بعض الأفراد في الدفاع عن دولة أخرى برغبة من دولتهم، أو يكون بإيمان هؤلاء الأفراد بعدالة القضية التي يدافعون عنها، أو حتى قد يكون هؤلاء الأفراد من ممتهني القتال طالبين النفع المادي ودفع المال ولا يهتمون لمشروعية أو عدم مشروعية الحرب، مادام سيدفع لهم ثمن خدماتهم فهم يبيعون مبادئهم وأخلاقهم لمن يدفع لهم أكثر.

جاء تعريف المرتزقة في إطار القانون الدولي الإنساني لأول مرة سنة 1977م، عندما تم إقرار بروتوكولا جنيف المضافين إلى اتفاقيات جنيف 1949م، فقد عرَّف البروتوكول الإضافي الأول في المادة (47) من الفقرة الثانية، المرتزق على أنه، هو أي شخص يجري تجنيده خصيصًا، محليا أو في الخارج ليقاتل في نزاع مسلح، ويشارك فعلًا في الأعمال العدائية وبشكل مباشر، وهو ليس عضوا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع و ليس موفدًا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفًا في النزاع بوصفه عضوا في قواتها المسلحة وكذلك ليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطنا في إقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.

إذا في حالة ثبوت أن شخصًا ما تنطبق عليه الشروط الواردة في المادة (47) الفقرة الثانية البند (ج) فإنه يعتبر مرتزقًا وبالتالي لا يتمتع بوضع المقاتل أو أسير حرب، غير أن هذا لا يمنع من تمتعه ببعض الضمانات والحماية القانونية من باب الإنسانية، وأما في حال ما أثير الشك في حمله لهذه الصفة، فإنه يستفيد بذلك مما قررته اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، إلى حين الفصل في وضعه القانوني من قبل محكمة  خاصة. كما ويوفر القانون الدولي الإنساني ضمانة أخرى للشخص الذي يثبت أنه من المرتزقة، وتتمثل هذه الضمانة في ما نصت عليه المادة ‏(‏75‏)‏ من البرتوكول الإضافي الأول 1977م، والذي أقر بأنَّ أي شخص من الأشخاص الذين يقعون في قبضة أحد أطراف النزاع المسلح لابد أن يعامل معاملة إنسانية في كافة الأحوال.

- الجواسيس: عرف الشيخ ‏"طارق الخويطر‏"‏ التجسس فقال: التجسس هو جمع المعلومات، وإن كانت ظاهرة، وتقصي أسرار الدولة سواء أكانت لفائدة المتجسس أم لفائدة غيره كشخص أو منظمة أو دولة، وسواء أكان بثمن أم بدون ثمن، وسواء أحصل الغرض من التجسس أم لم يحصل.

كما جاء تعريفه في القانون الدولي الإنساني على أنَّه: هو الشخص الذي يعمل في خفية تحت ستار كاذب في جمع أو محاولة جمع المعلومات في منطقة الأعمال العسكرية لإحدى الدول المتحاربة، بقصد إيصال معلومات إلى دولته، وعرفته لائحة لاهاي لسنة 1907م، الخاصة بالحرب البرية، في المواد من ‏(‏29‏)‏ إلى ‏(‏31‏)‏، "بأنَّه الشخص الذي يعمل في خفية أو تحت ستار مظهري كاذب في الجمع أو محاولة جمع معلومات في منطقة الأعمال الحربية لإحدى الدول المحاربة بقصد إيصال هذه المعلومات لدولة العدو‎"‎. 

وينبغي في هذا الصدد التمييز بين فرعين من الجواسيس، الأول، العسكريون غير المتنكرين والذين يدخلون في منطقة العدو فهؤلاء يعتبرون أسرى حرب، الثاني، هم الأشخاص الذين يقومون أو يحاولون القيام بجمع معلومات تحت ستار كاذب والتخفي أو التنكر وهو الأمر الذي لا يجعلهم يتمتعون بصفة أسرى الحرب في حالة القبض عليهم من قبل العدو.

وبهذا المفهوم، فإن الجاسوس لا يرتدي الزي العسكري ولا يعتبر مقاتلا شرعيًا وحسب لائحة لاهاي السابقة الذكر، لا يعد جاسوسًا إلا إذا قام بجمع المعلومات في منطقة العمليات التابعة لطرف في النزاع عن طريق عمل من أعمال الزيف أو بطريقة التخفي وبالتالي لا يعتبر أسير الحرب إذا وقع في قبضة العدو أثناء تجسسه و ليس له الحق في التمتع بالمعاملة التي نصت عليها اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949م. و إنما يعامل وفقًا لأحكام معينة، بحيث أنه للدولة التي قبضت عليه متلبسًا بالتجسس الحق في أن توقع عليه العقوبة المقررة لذلك والتي تنص عليها، وهي عادة الإعدام. ولما كانت هذه العقوبة بالغة الشدة فقد أحاط القانون الدولي الإنساني توقيعها بالضمانات الكافية بالنسبة للمتهم وذلك على النحو التالي:

- لا يجوز توقيع العقوبة على الجاسوس إلا بعد محاكمته وصدور حكم نهائي بثبوت التهمة ضده، لأنَّه لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام إلا بعد صيرورة الحكم نهائيا بإعتبار ذلك حقا من حقوق الإنسان في جميع الأحوال.

- لا يجوز محاكمة الجاسوس وتوقيع العقوبة عليه إلا إذا تم القبض عليه متلبسًا.

أما إذا تمكن من اللحاق بالجيش الذي ينتمي إليه، ثم وقع بعد ذلك في قبضة العدو، فإنه يعامل " كأسير حرب " ولا تقع عليه أي مسؤولية من أعمال التجسس السابقة. والحكمة من ذلك أن توقيع العقوبة على الجاسوس تعتبر عملا من أعمال الدفاع الشرعي عن كيان الدولة، ولا محل لهذا الدفاع إذا كان الفعل قد سبق وقوعه، وحسب المادة (46) من البروتوكول الأول التي تنص على أنه ‏"‏إذا وقع أي فرد من القوات المسلحة لطرف النزاع في قبضة الخصم أثناء مقارفته التجسس فلا يكون له الحق في التمتع بوضع أسير الحرب، و ﻳﺠﻮز أن ﻳﻌﺎﻣﻞ ﻛﺠﺎﺳـﻮس"، كما نصت الفقرة الثالثة من نفس المادة على أنه لا يعتبر جاسوسًا فرد القوات المسلحة لطرف في النزاع، إذ‏ا ما توفرت فيه الصفات الآتي ذكرها:

- الذي جمع أو حاول جمع معلومات لفائدة ذلك الطرف وهو يرتدي الزي العسكري للقوات المسلحة التي يتبعها وقام بذلك العمل في إقليم يسيطر عليه الخصم.

- إذا قام في إقليم يحتله الخصم وعمل لفائدة الطرف الذي يتبعه بجمع أو محاولة جمع معلومات ذات قيمة عسكرية داخل ذلك الإقليم دون تستر زائف أو تعمد التخفي، وإذا تعمد ذلك فلا يكون جاسوسًا إلا إذا قبض عليه وهو متلبسًا بالجرم المشهود.

- الوطنيون الملتحقون بقوات العدو ‏(‏الخونة‏)‏: إنَّ الخونة هم الصنف الثالث الذي لا يتمتع بوضع أسير الحرب رغم مشاركته فعلياً في العمليات الحربية. فيقصد بالخونة هم الوطنيون الذين يلتحقون بقوات الأعداء للقتال ضد أبناء وطنهم، حيث نجد أن معظم قوانين العقوبات في دول العالم تنص على أن انضمام أحد رعاياها إلى قوات معادية يجعله يوضع في مرتبة أو موضع الخائن الذي ارتكب جريمة الخيانة في حق دولته، وعليه فلها الحق في توقيع العقوبة أو الجزاء المقرر لهذه الجريمة.

وإذا ما تطرقنا إلى الوضع القانوني للخونة، فنجد بأنَّ من المبادئ المتفق عليها في اتفاقيه لاهاي أنه لا يجوز للدولة المحاربة إكراه رعايا خصمهــا على الخدمة في قواتها المسلحة، وبالتالي استخدامهم للقتال ضد أبناء وطنهم. فإذا كان العرف الدولي يقر هذا الاتجاه فإن هذا ما تأكد في الإتفاقيات والمواثيق الدولية، إذ نجد لائحة لاهــــاي للحرب البرية لسنة 1907م تنص على أنه " لا يجوز للدولة المحاربة أن تكره رعايا خصمها على الإشتراك في عمليات الحرب الموجهة ضد دولتهم، حتى ولو كانوا قد التحقوا في خدمتهـــــا قبل بدء الحرب ".

وتجاوبا مع هذا المبدأ تنص المادة ‏‏(‏50)‏‏ من اتفاقية أسرى الحرب 1949م على أنه:" لا يجــــــوز إرغام أسرى الحرب على القيـــــــــام بالأعمال الحربية "، و إن كانت قد أجـــــازت لهم العمل فــــــي مجالات أخرى ليس لها علاقة مباشرة بأعمال القتال، كما تنص المادة ‏(‏40‏)‏ من اتفاقيــــــة جنيف الرابعة على أنه :" إذا كان الأشخاص المحميون من جنسية العدو، فلا يجوز إرغـــــامهم إلا على القيام بالعمل الذي يلزم عادة لتوفير الغذاء والمأكل والملبس ووسائل النقل والصحة لبَنِي الإنسان، دون أن يكون له علاقة مباشرة بسير العمليات الحربية ."

 

الحماية المقررة لأسرى الحرب وفقًا للقانون الدولي الإنساني

يتمتع الأسير بجملة من الحقوق التي تكفلها لهم الاتفاقيات الدولية، بالدرجة الأولى اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م، إذ حددت لهم العديد من الحقوق التي تضمن لهم حماية إنسانيتهم وعيشهم بكرامة، منذ الوقوع في الأسر إلى نهايته، كما للأسرى أيضا واجبات عليهم القيام بها تجاه الدولة الآسرة وذلك التزاما بالأعراف والمواثيق الدولية.

أ- حقوق الأسير عند بداية الأسر:

حددت اتفاقية جنيف بداية الأسر بأنه: "الوقت الذي يقع فيه الأسير تحت سلطة دولة العدو"، أي منذ اللحظة التي يمسك فيها بالأسير من قبل فرد أو وحدة عسكرية تابعة للدولة الآسرة.

يُحرم على أي طرف من الأطراف المتحاربة، قتل المقاتلين الشرعيين التابعين للخصم بمجرد كفهم عن القتال سواء رغماً عنهم بسبب ما أصابهم من العجز ( مرض، جرح، غرق... إلخ‏)‏ أو باختيارهم واستسلامهم للعدو، وفي هذه الحالة يمكن أخذ العاجزين عن القتال أو المستسلمين كأسرى حرب يتمتعون بالحماية والحقوق والضمانات المقررة لهؤلاء منذ لحظة القبض عليهم، وعندئذ من حق الدولة الآسرة تفتيشهم والاستيلاء على ما لديهم من أسلحة ومهمات وأدوات عسكرية ووثائق ومستندات حربية، ماعدا الأغراض والوثائق الشخصية. وتصبح هذه الأشياء المستولى عليها ملكاً للدولة الآسرة باعتبارها غنيمة حرب لتعلقها بالعمليات العسكرية. كما لا يجوز تجريد الأسير من شارات رتبته ونياشينه وجنسيته، وكذلك الأشياء التي لها قيمة شخصية أو تذكارية. وعلى الدولة الآسرة نقل الأسرى إلى أماكن بعيدة عن مسرح العمليات، واتخاذ جميع الاحتياطات عند نقلهم، والامتناع عن تعريض حياتهم للخطر بوضعهم في مواقع ومناطق معينة لتحصينها من العمليات الحربية. وتُوجِب الاتفاقية الثالثة على أطراف النزاع توفير ما يحتاجه الأسرى من دواء وعلاج ورياضة وخدمات روحية وترفيهية.

ب- حقوق الأسير فترة الاستجواب:

تنص المادة (17) من اتفاقيه جنيف على أنَّه يجب على أسير الحرب أيا كانت رتبته أن يجيب على أسئلة معينة وهي المتعلقة بإسمه الكامل ورتبته العسكرية، وتاريخ ميلاده، ورقمه بالجيش أو الفرقة، أو رقمه الشخصي أو التسلسلي. وإذا امتنع بمحض اختياره عن الإدلاء بهذه المعلومات يجوز حرمانه من بعض المزايا الممنوحة لرتبته العسكرية أو لوضعه.

والجدير بالذكر أن البطاقات العسكرية والأقراص المعدنية التي يحملها الأسير بذاتها تتوافر على هذه المعلومات، ومن حق الأسير أن يمتنع عن الإجابة عن أي سؤال آخر ( لا يتعلق بالمعلومات سالفة الذكر ) حتى ولو كان غير ضار بدولته. ولا يجوز للدولة الآسرة أن تلجأ إلى التعذيب البدني أو المعنوي أو أي نوع من أنوع الإكراه لحمل الأسرى على الإدلاء بمعلومات أيا كان نوعها ولا يجوز ممارسة التهديد أو الإهانة أو المعاملة السيئة إزائهم عند الامتناع عن الإجابة عما يوجه إليهم من أسئلة. كما يجب أن يكون استجوابهم بلغة يفهمونها، ويتعين تسليم العاجزين منهم عن الإدلاء بمعلومات عن شخصيتهم إلى القسم الطبي، ويجرى تمييزهم بأي وسيلة ممكنة.

ج- حقوق الأسير أثناء الأسر:‏

يتمتع الأسير بمجموعة من الحقوق تضمن له الحماية التامة أثناء أسره، وهي كالآتي:

- الحق في معسكر آمن و ملائم صحيًا: بالرجوع إلى المواد، 22، 23، 24، 25، من اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، فإنه لا يجوز للدولة الآسرة حجز الأسرى داخل السجون، أو ضمن مراكز إعادة التربية أو معتقلات متعلقة بالمجرمين، بل يجب عليها أن تضعهم في معسكرات خاصة ودائمة وتختلف عن معسكرات العبور أو الانتقالية، ويجب أن تتخذ الترتيبات اللازمة لتحديد الأماكن الملائمة لإيواء الأسرى، أن تتوفر فيه ظروف ملائمة مماثلة لما توفره الدولة الآسرة لقواتها المسلحة. إضافة إلى ذلك، لا يجوز حجز الأسرى إلا في مباني مقامة فوق الأرض، وأن تكون مزودة بما يكفي من وسائل التدفئة والإنارة وبكل لاحتياطات اللازمة لتجنب الحرائق. كما يجب تمييز معسكرات الأسرى بالحروف pg أو pw ووضعها بالكيفية التي تجعلها مرئية من الجو بوضوح، بالإضافة إلى أنه يجوز لأطراف النزاع الاتفاق على أية وسيلة أخرى لتمييز معسكرات الأسر، كما أضاف البروتوكول الإضافي الأول في المادة ‏(‏75‏)‏، أنه يجب حجز النساء الأسيرات في أماكن منفصلة عن الرجال وتشرف عليهن نساء.

- الحق في المعاملة الإنسانية: لقد نصت المادة ‏(‏13‏)‏ من اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، على أنه يجب معاملة الأسرى معاملة إنسانية في جميع الأوقات وأنه يحظر على الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت الأسير، ولا يجوز خضوع الأسير للتجارب العلمية والطبية أو المساس ببدنه أو التمثيل به، وأي فعل يخالف ما جاءت به المادة يعتبر انتهاكًا جسيما للاتفاقية.

وهذا مؤداه أنه واجب على الدولة الآسرة ضمان المعاملة الإنسانية للأسير، وتوفير الحد الأدنى من متطلباته.

- الحق في الإعالة والإعاشة الصحية: يجب أن توفر الدولة الآسرة الشروط اللازمة لتوفير متطلبات وحاجيات الأسرى من مأكل و ملبس ورعاية طبية، حيث نصت المادة ‏(‏15‏)‏ من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بإعاشة الأسرى، أنه يكون حق الأسرى في الغذاء ضمن الالتزامات الأساسية الملقاة على عاتق الدولة الحاجزة في الإطار العام، أما المادة ‏(‏26‏)‏ فقد أشارت إلى الواجبات التي تلتزم بها الدولة الحاجزة في ما يخص حق الأسرى في الغذاء حيث نصت على:

١- أن يكون الطعام كافيًا من حيث الكمية والكيفية والتنوع، للحفاظ على صحة الأسرى في حالة جيدة، فلا يتعرضون لنقص وزن، أو اضطرابات العوز الغذائي.

٢- مراعاة النظام الغذائي الذي اعتاد عليه الأسير.

٣- تزويد الأسرى الذين يعملون، بكميات أكل مناسبة لأعمالهم و كميات كافية من مياه الشرب.

٤- اشتراك الأسرى في إعداد وجباتهم.

٥- تزويدهم بالوسائل التي تمكنهم من تهيئة الأغذية الإضافية التي بحوزتهم بأنفسهم، وإعداد أمكنة مناسبة للأكل.

٦- يحظر اتخاذ أي تدابير تأديبية جماعية تمس الغذاء.

أما فيما يخص الملبس، فيقع التزام توفير الملابس المناسبة للأسر على عاتق الدولة الحاجزة بحسب الظروف المناخية السائدة في معسكرات الأسرى دون الإخلال بحق الأسرى في الحصول على الإمدادات الإغاثية في شكل ملابس من مصادر أخرى، كما لا يستساغ إكراه الأسرى على ارتداء البذلة العسكرية للدولة الحاجزة، إذا رأوا بأن ذلك يمس بشرفهم.

يرتدي أسرى الحرب بذلة عسكرية للدولة الحاجزة، إذا كان لا بديل عن ذلك، لكن يتعين على الدولة الحاجزة إجراء التعديلات اللازمة عليها، ونزع الشارات التي تدل على الجنسية، مع السماح لهم بحمل شارات الرتب والجنسية وكذلك الأوسمة، كما تقضي بذلك المادة ‏(‏40‏)‏ من اتفاقية الثالثة 1949م. وقد نصت المادة ‏(‏27‏)‏ من الاتفاقية في الفقرة الأولى على أنَّه: " تُزود الدولة الحاجزة أسرى الحرب بكميات كافية من الملابس و الملابس الداخلية والأحذية الملائمة لمناخ المنطقة التي يُحتجز فيها الأسرى‏"‏.

أما الفقرة الثانية من نفس المادة فقد نصت على: " استبدال وتصليح الملابس والأحذية الخاصة بالأسرى بانتظام بالإضافة إلى صرف أو مراعاة الاستبدال والتصليح، يجب صرف ملابس للأسرى تكون مناسبة لطبيعة العمل وفي حالة اشتغال الجنود الذين ينتمون إلى الدولة الحاجزة في ظروف عمل غير لائقة بملابس غير مناسبة، ينبغي استبعاد أعمال مبدأ المماثلة ".

- الحق في ممارسة الشعائر الدينية: إنه وفي ما يخص ممارسة الشعائر الدينية، فقد أقرت المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في كل من ظروف الحرب أو السلم، حق الإنسان في ممارسة شعائره الدينية، ويتأكد هذا الحق ليصبح أكثر ضرورة بالنسبة لأسرى الحرب لحاجتهم الماسة لمدد روحي يهون عليهم فقدان حريتهم، نتيجة وقوعهم في قبضة العدو، ويترك للأسرى الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية.

- الحق في النشاط الفكري والثقافي والرياضي: توجب المادة ‏(‏38‏)‏ من اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، مراعاة الرغبات الشخصية لكل أسير من قبل الدولة الحاجزة، وفيما يتعين عليها من ناحية أخرى أن تشجع الأسرى على ممارسة النشاط الفكري والثقافي والرياضي، والألعاب والمسابقات، وأن تتاح لهم فرص القيام بذلك وتهيئ مساحات كافية لهذا الغرض في جميع معسكرات الأسرى.

- تشغيل أسرى الحرب: لقد أجازت المادة ‏(‏49‏)‏ من اتفاقية جيف الثالثة 1949م، للأسرى الذين تتوفر فيهم الشروط الطبية. أن يشاركوا في الأعمال التي تتفق مع سنهم وجنسهم وقدرتهم البدنية، حيث أن المغزى من سَن هذه المادة هو المحافظة على الصحة الجيدة للأسير بدنيًا ونفسيًا، كما أنَّه لا يمكن أبدًا إرغام الأسرى الذين يحملون رتبة الضابط أو من يماثلهم أو يعلوهم في الرتبة على أي عمل، بحيث يمكن لهم العمل فقط بما يناسبهم وإذ ما طلبوا هم ذلك، كما يقوم الأسرى ذات رتبة صف الضباط بأعمال المراقبة والأعمال التي لا يكون فيها إرهاق بدني، ويعملون في أشكال تتفق مع درجتهم العلمية أو مؤهلاتهم الفكرية أو أي مهنة كانوا يمتهنونها قبل وقوعهم في الأسر، مع دفع الأجر المناسب لهم.

 

الحماية المقررة للأسرى عند انتهاء الأسر

بما أن للأسر بداية لا بد أن تكون لهذه الحالة نهاية تعدم فيها صفة الأسر وتسقط عنه. ويكون انتهاء الأسر، إما بإرجاع الأسير مباشرة إلى بلده، أو تبادل الأسرى بين طرفي النزاع، أو الإفراج عنه بشرط التعهد، بالإضافة إلى حالة هروبه من معسكر الأسر، أو وفاة الأسير.

١ - إعادة الأسرى إلى بلدهم الأصلي: الأصل في انتهاء الأسر هو إرجاع الأسرى إلى الدولة التي يحملون جنسيتها، بمجرد انتهاء الأعمال القتالية، أو الإفراج عنهم أثناء قيام الأعمال القتالية بين طرفي النزاع:

- الإفراج عن الأسرى بانتهاء الأعمال القتالية: باستقراء المادة ‏(‏118‏)‏ من اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، نجد أنها نصت صراحة على إعادة أسرى الحرب و الإفراج عنهم دون تأخير بعد انتهاء الأعمال العدائية مباشرة وفق التدابير المقررة:

* على دولة الأسرى أن تتكفل بجميع مصاريف إعادتهم إليها من حدود الدولة الحاجزة إذا كانت متجاورة.

 * في حالة ما إذا كانت الدولتان المتحاربتين غير متجاورتين، فعلى الدولة الحاجزة أن تتحمل تكاليف نقلهم داخل إقليمها، لغاية حدودها، أو إلى أقرب ميناء إبحار لأراضي الدولة التي يتبعها الأسرى.

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستخدم أي اتفاق لتبرير أي تأخير في إعادة الأسرى إلى أوطانهم بعد انتهاء الأعمال القتالية بين القوات المسلحة للدولتين المتنازعتين، و لا يشترط لقيام الدولة الحاجزة بالإفراج عن عدد معين من الأسرى المحتجزين لديها، أن تقوم الدولة المعادية بالإفراج عن عدد مماثل لهم، إذ أن الأمر لا يتعلق بتبادل الأسرى فيما بين الدول، ولكن يرتبط أساسًا بالتزام دولي يقع على عاتق كل دولة، بمجرد وقف العمليات القتالة بين الأطراف المتحاربة، أما فيما يتعلق بالأسرى الذين يقعون تحت المتابعات القضائية بسبب ارتكابهم لجريمة جنائية، فإنهم يبقون تحت الحجز إلى غاية انتهاء كافة الإجراءات المتبعة في حقهم، أو عند انقضاء مدة عقوبتهم، أما فيما يخص الأسرى المفقودين، والذين لم يتم وصول أي معلومات لبلدهم الأصلي بشأنهم، هنا يتفق أطراف النزاع المنقضي، على تشكيل لجان للبحث عنهم، وتأمين عودتهم إلى الوطن في أقرب وقت.

- الإفراج عن الأسير أثناء قيام الأعمال العدائية: تجدر الإشارة إلى وجود إمكانية إعادة الأسرى والإفراج عنهم حتى و لو لم تنتهي الأعمال العدائية، ويكون بإعادتهم مباشرة إلى الوطن وذلك بالنسبة للجرحى والمرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة، أو انهيار في حالتهم العقلية والبدنية بشكل خطير.

٢- الإفراج عن طريق تبادل الأسرى: للأسير حق في الإفراج عنه بالتبادل، لكن اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، لم تنص على نظام يقوم على كيفية و طرق التبادل للأسرى و إنما جرى العرف الدولي على أن التبادل وسيلة من وسائل انتهاء الأسر سواء كان ذلك أثناء العمليات القتالية أو بعد توقفها، وتكون هذه العملية عن طريق إبرام اتفاقيات تتضمن مبادلة عدد من الأسرى بعدد مماثل له من الطرفين المتنازعين، ويكون من نفس الرتب العسكرية التي يحملها أسرى الطرفين، وبما أن نظام التبادل لم تنظمه الإتفاقيات الدولية، فإنه يُترك لتقدير الدول المتحاربة، فمن حقها أن تأخذ به، كما لها الحق في عدم فعل ذلك. وفي حالة ما أبرم الطرفان المتحاربان اتفاقا للتبادل، فإن هذا الإتفاق شأنه شأن أي اتفاق دولي آخر يخضع في إلزاميته وأثاره إلى الأحكام والقواعد العامة في القانون الدولي بشأن المعاهدات.

٣- الإفراج عن الأسير بشرط التعهد: أجازت اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907م، إطلاق سراح الأسرى مقابل وعد أو تعهد منهم بقدر ما تسمح بذلك قوانين الدولة التي يتبعونها، ففي مثل هذه الحالة يصبح للأسير حق في الإفراج عنه، بعد إلزامه بشرفه الشخصي بتنفيذ تعهده بدقة، سواء إزاء الدولة التي يحملون جنسيتها أو الدولة التي كانوا محتجزين لديها، وتلزم الدولة الأصلية للأسير في مثل هذه الحالة أن لا تطلب منه أو تقبل أية خدمة لا تتفق مع هذا التعهد، كما لا يجوز إكراه الأسير على الإفراج عنه مقابل وعد أو تعهد بالمثل، ولاستفادة الأسير من هذا الحق، يبقى الشرط الجوهري لذلك هو عدم حمله للسلاح مرة ثانية ضد الدولة الحاجزة، وفي حالة ما إذا نقض هذا التعهد وسقط أسيرا مرة أخرى يبقى من حقه أن يعامل كأسير حرب، مع تقديمه للمحاكمة بتهمة مخالفته للتعهد مقابل إطلاق سراحه في المرة الأولى. كما ونظمت اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، هذا الإجراء بنصها: "يجوز إطلاق حرية أسرى الحرب بصورة جزئية أو كلية مقابل وعد أو تعهد منهم بقدر ما تسمح بذلك قوانين الدولة التي يتبعونها. ويتخذ هذا الإجراء بصفة خاصة في الأحوال التي يمكن أن يسهم فيها ذلك في تحسين صحة الأسرى. ولا يرغم أي أسير على قبول إطلاق سراحه مقابل وعد أو تعهد‏"‏.

٤- هروب الأسير: نصت المادة (42) من الاتفاقية على أنه يعتبر استخدام الأسلحة ضد أسرى الحرب ‏(‏وبخاصة ضد الهاربين أو الذين يحاولون الهرب‏)‏ كوسيلة أخيرة يجب أن يسبقها دائما إنذارات مناسبة للظروف، ويُعد هذا إجراءاً خطيراً. وقد ذكر في المادة (91) بأن الحالات التي يعتبر فيها هروب الأسير ناجحا، هي:

- إذا لحق بالقوات المسلحة للدولة التي يتبعها أو بقوات دولة متحالفة.

- إذا غادر الأراضي الواقعة تحت سلطة الدولة الحاجزة أو دولة حليفة لها.

- إذا انضم إلى سفينة ترفع علم الدولة التي يتبعها، أو علم دولة حليفة لها في المياه الإقليمية للدولة الحاجزة، شريطة ألا تكون السفينة المذكورة خاضعة لسلطة الدولة الحاجزة.

أسرى الحرب الذين ينجحون في الهروب بمفهوم هذه المادة ويقعون في الأسر مرة أخرى لا يعرضون لأية عقوبة بسبب هروبهم السابق. كما أن الأسير إذا نجح في الفرار فإنه يسترجع حريته، ونصت المادة (92) على أن " أسير الحرب الذي يحاول الهروب ثم يقبض عليه قبل أن ينجح في هروبه بمفهوم المادة (91) لا يعرض إلا لعقوبة تأديبية عن هذا الفعل حتى في حالة العودة إلى اقترافه".

ومما تقدم نجد أن الاتفاقية حظرت استخدام الأسلحة ضد الأسرى الهاربين أو الذين يحاولون الهرب وأنه يجب أن يسبقه إنذار، ونصت على أنه لا توقع عقوبة على الأسير حال نجاحه في الهرب ثم وقوعه في الأسر مرة أخرى، ولا توقع العقوبة إلا على الأسير الذي يحاول الهرب ولم ينجح في هروبه. على أن هذه العقوبة لا يمكن بأي حال أن تصل إلى القتل، بل توقع عليه عقوبة تأديبية فقط.

٥- وفاة أسير الحرب: وفاة الأسير يؤدي حتمًا إلى انتهاء صفة الأسر، حيث تكلف الدولة الحاجزة بالواجبات المنصوص عليها و تتمثل بالإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة سواء عند القيام بدفنه أو إرجاعه لبلده الأصلي، وهنا وجب التفرقة بين الوفاة الطبيعية للأسير و الوفاة غير الطبيعية له:

- إجراءات الدولة الحاجزة في حالة الوفاة الطبيعية للأسير: أولا وقبل كل شيء يجب عليها أن تدون جميع وصايا الأسير وتقوم بتحويل الوصية دون تأخير إلى الدولة المحايدة، وترسل صور طبق الأصل إلى الوكالة المركزية للاستعلامات، وقبل دفن الأسير أو حرقه على سلطات الدولة الحاجزة أن تشرف على الفحص الطبي من أجل إثبات حالة الوفاة، والتمكين من وضع تقرير والتأكد من هوية المتوفى عند الاقتضاء، بعدها ترسل إلى مكتب استعلامات أسرى الحرب شهادة وفاة الأسير، مكان وتاريخ وسبب وفاته، ومكان و تاريخ دفنه، وكذا جميع المعلومات، بعدها على الدولة الحاجزة أن تتأكد أن الأسير المتوفى قد تم دفنه بالاحترام الواجب تجاه الموتى، و إذا أمكن طبقا لشعائر دينهم، ويكون الدفن فرديًا إلا إذا اقتضت الضرورة استخدام المقابر الجماعية، وفي حالة تم حرقه على السلطات الآسرة أن تثبت ذلك في تقريرها.

- إجراءات الدولة الحاجزة في حالة الوفاة الغير طبيعية للأسير: إذا ما كان هناك أسباب أدت إلى وفاة الأسير، سواء كان جرح خطير، أو مرض مزمن، أو كان يشتبه في أن الوفاة كانت بسبب مباشر أو غير مباشر قد كان وراءها الأعوان القائمين على معسكر الأسر، أو أسير آخر، أو أي شخص آخر، أو لسبب مجهول، على سلطات الدولة الحاجزة أن تفتح تحقيقا رسميًا عاجلًا حسب نص المادة 121 في فقرتها الأولى، من اتفاقية جنيف الثالثة 1949م، وإذا ما أثبت التحقيق إدانة شخص ما أو أكثر من شخص وجب اتخاذ جميع الإجراءات القضائية ضد أي شخص مسؤول عن وفاة الأسير.

- قتل الأسير عمدا جريمة خطيرة في حقه، ويعتبر تصرف إجرامي يشكل جريمة حرب، ومخالفًا لأحكام القانون الدولي و المواثيق الدولية، سواء عند استسلامه أو أثناء أسره أو هروبه، فلا يجوز تصفيته تحت مسمى الضرورة العسكرية، لأن ذلك يقع باطلًا لاصطدامه بالنصوص القانونية القاطعة الدلالة في تحريم قتل هذه الفئة من ضحايا النزاعات المسلحة بموجب أحكام ونصوص القانون الدولي الإنساني.

 

في ختام ما تمَّ عرضه يتلخص بأن المواثيق والاتفاقيات الدولية قد ألزمت بجملة من القواعد القانونية التي نصت على وجوب معاملة الأسرى معاملة إنسانية تكفل لهم جميع حقوقهم، وتشكل الركيزة الأساسية لهم لمنع أي اعتداء يتعرضون له، ويُخص بالذكر من بين أهم هذه الاتفاقيات اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة 1949م والبروتوكولين الملحقين بهما 1977م، والتي قد أرست الأسس القانونية الأساسية لتوفير الحماية اللازمة للأسرى طول فترة الأسر والاعتقال، كما ألزمت الدول المتعاقدة بالالتزام بما أقرت، إلا أنَّه و بالرغم من وضع القانون الدولي الإنساني لمنظومة متكاملة تسعى لحماية حقوق أسرى الحروب إلا أنها لا يزال يعتريها النقص، نظراً للانتهاكات الجسيمة المتزايدة والفظيعة التي لازالت تمارس في حق الأسرى.

 

 

المصادر والمراجع:

خليف سماح، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية بعنوان: ‏: معاملة أسرى الحرب في ظل الإتفاقيات الدولية، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2019/ 2020

آية الرحمان بن عزيز، مريخي اميلياء، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الماستر في العلوم الإسلامية بعنوان: حماية أسرى الحرب في القانون الدولي الإنساني والفقه الإسلامي، جامعة محمد بوضياف المسيلة، 2020/ 2021

د. شرفه حسين، هدي النبي صلى الله عليه و سلم في التعامل مع الأسرى، مجلة الحقوق و العلوم السياسية، جامعة عباس لغرور خنشلة، العدد 08، الجزء 1، جوان 2017

زروالي يحي، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الماستر في الحقوق بعنوان: معاملة أسرى الحرب في الإتفاقيات الدولية بين النظرية و التطبيق، جامعة العربي بن مهيدي  أم البواقي، 2019/ 2020

بن حمودة مختار، التعريف بأسرى الحرب و القواعد المقررة لتعامل معهم وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة غرداية، 20/12/2011

د٠خالد خلف خليفة الشمري، حكم التجسس والجواسيس في الشريعة الإسلامية، العدد 111، المجلد 35، فبراير 2018

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia